کد مطلب:306610 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:181

استعمار القارة الامریکیة


.. یقول الاستاذ دی براون فی كتابه (تاریخ الهنود الحمر):

.. «و تلك الشعوب كانت مؤلّفة من قبائل الهنود الحمر، ذوی الطبیعة المسالِمة والمحبّة. و قد وصفهم كریستوف كولومبوس، مكتشف القارة الامریكیة الجدیدة، فی كتاب بعث به إلی ملك إسبانیا «بأنهم یحبّون جیرانهم أكثر مما یحبّون أنفسهم، كما أن حدیثهم دائم الحلاوة واللطف. و یرافق دائماً بابتسامة. و رغم أنهم فعلاً عراة، إلّا أن سلوكم محتشم و جدیر بالإطراء» [1] .

إن الغزاة الأوروبیین، الذین تدفقوا علی القارة الأمریكیة الجدیدة، منذ القرن السادس عشر، لم یوفِّروا وسیلة إفناء و إبادة، إلّا و توسلوها ضد السكان الأصلیین، أصحاب الأرض والحقّ، و هم من الهنود الحمر.

و من جملة ما استعملوه، من حیل الخبث والغدر، التی لا یقرّها ضمیر و لا حسّ إنسانی. و متی كان للمستعمرین وازع من ضمیر، أو رادع من دین؟

و مع ذلك، فخاض الأوروبیون المسعمرون، مدّعی المسیحیة زوراً، كل أشكال الاضطهاد والقهر للتخلص منهم، واغتصاب أراضیهم و نسائهم. فلم یتورعوا عن تسمیم میاه شربهم، برمی الجثث المهترئة والدماء الملوثة فی


الینابیع التی منها یشرب الهنود الحمر.

و لم یتورعوا عن اللجوء إلی خدعة خبیثة، عندما یعجزون عن هزمهم بالقوة. فقدموا لهم هدایا من الألبسة الملوثة بشتی الجراثیم المعدیة. فتتفشی فیهم الأمراض، و یهلك منهم المئات [2] .

فرحوا یقدّمون للقبائل الهندیة البدائیة الساذجة، هدایا من الألبسة والحرامات، الملوثة بجراثیم الطاعون و الكولیرا و الملاریا. فتقضی علی الألوف من الأبریاء، رجالاً و نساءً و أطفالاً.

و مما یُذكر فی هذا المجال، أن الهنود الحمر، قبل قدوم المستعمرین، لم یكونوا یعرفون وباء الجدری. و بالتالی لم تكن لهم أیة مناعة طبیعیة ضده، فعمد قائد إحدی الحملات البریطانیة، و اسمه Sir Jeffry Amherst، إلی خدعة خبیثة لا أخلاقیة. فأهدی كلاً من روساء القبائل الهندیة مندیلاً و غطاءین، استقدمها من المستشفی الذی یعالج فیه البریطانیون المصابون بالجدری. فسری الوباء القاتل فی صفوف المساكین البُسطاء. مما سهل إباذة الكثیرین منهم دون قتال، واحتلال مزارعهم و أراضیهم [3] .

.. و فعلهم هذا لا یقل خسة و خیانة للضمیر الانسانی من فعل التتر، ففی أواسط آسیا، منتصف القرن الرابع عشر، حیث عمدوا إلی استخدام جثث المصابین بالطاعون والكولیرا ضد أعدائهم.

فكانوا لذلك، یستعینون بالمنجنیق، یقذفون بواسطته هذه الأجساد. فتقع داخل المدن المُحاصرة، لتنشر الأوبئة بین أهالیها. و تحصد نسباً كبیرة من


الموتی، كانت تصل أحیاناً 40% من مجموع السكان و قد عرفت تلك الحقبة «بنكبة الطاعون الأسود» [4] .

جاء فی كتاب الولایات المتحدة طلیعة الانحطاط للكاتب الفرنسی/ روجیة غارودی:

قال سیمون بولیفار: أحد أبطال محاولات الاستقلال فی أمریكا اللاتینیة أواسط القرن التاسع عشر: «یبدو أنه كُتب علی الولایات المتحدة أن تقوم بتعذیب و إذلال القارة باسم الحریة».

و یشهد توكفیل علی بربریة المستعمرین تجاه الهنود الذین استخدموا أسلحة لا یمكن مقارنتها بأی مقیاس بأسلحة الغزاة، و وصف بسخریة لاذعة، و إنسانیة دامیة انتصار «الحریة»، تلك المسیرة المظفرة للحضارة عبر الصحراء قائلاً: «فی قلب الصحراء، و فی أواسط الشتاء، حیث كان البرد قارساً جداً قام ثلاثة آلاف أو أربعة آلاف بمطاردة الأعراق البدویة من الوطنیین الذین كانوا یفرون أمامهم حاملین مرضاهم و جرحاهم، و أطفالاً ولدوا حدیثاً، و شیوخاً علی حافة الموت.

و تابع یقول: ان المشهد كان مثیراً و لم یمحّ من ذاكرته أبداً [5] .

و وصف (بنیامین فرانكلین) الناطق الرسمی البارز باسم التنویر، وصف «أب الأمة» بأنه الرجل الذی یطرد السكان الاصلیین، كی یفسح المكان لأمته:

.. واعطی (جورج وشنطن) الدرس نفسه لقبائل الایروكواس عندما كلّف


جیشه بتدمیر مجتمعها و حضارتها [6] .

و هكذا، و بفعل القتل المباشر، والوسائل الكیمیائیه والجرثومیة البدائیة، تقلّص عدد الهنود الحمر بشكل مریع و مذهل، فكان عددهم الأساسی، فی مطلع القرن السادس عشر، عند اكتشاف قارتهم، زهاء خمس عشر ملیوناً. فإذا به الیوم، فی نهایة القرن العشرین، و فی الولایات المتحدة الأمریكیة، یتدنّی إلی ما لا یتعدی الملیون الواحد. بینما كان من المفترض طبیعیاً، خلال الخمسمائة سنة المنصرمة، أن یتضاعف عددهم أضعاف أضعاف ما كان علیه سابقاً [7] .

و هكذا، تارة بالحرب وطوراً بالمخادعة، قضی الغزاة الأوروبیون، مدّعو اعتناق المسیحیة، علی ملایین المساكین. والهدف احتلال الأرض، والاستئثار بالخیرات، دونما حساب لِقِیَم و مُثُل و مبادئ.

یقول الكاتب الفرنسی روجیه غارودی:.. اما فی أمریكا «قبائل الانكا مثلاً»، والذین فقدوا 80% من عددهم بسبب التصفیة العرقیة، ثم هُمِّشَ من بقی منهم، وزُجَّ فی مخیمات [8] .

جاء فی كتاب ماذا یرید العم السام للباحث الامریكی (نعوم تشومسكی):

اختلفت تقدیرات المؤرخین عن عدد الهنود الحمر عند قدوم «كولومبس» لأمریكا، و تراوحت بین عشرة، إلی عشرین ملیونا، و عددهم الیوم أقل من 3 ملایین. كیف حدث هذا؟ یرجع الفضل فی ذلك لعملیات الإبادة المنظمة، ثم


الأحوال المعیشیة بالغة السوء فی كل المجالات [9] .


[1] دي براون: تاريخ الهنود الحمر، ترجمة توفيق الأسدي، منشورات دارالحوار، اللاذقية (سوريا).

[2] مجلة «الأسبوع العربي»: بيروت 7/ 11/ 88.

[3] الأسلحة الصامتة: Robin Clarke، منشورات دافيد ماكفي، نيويورك، ص 87.

[4] المضادات البيولوجية: مركز الدراسات العسكرية، قسم الطب العربي.

[5] و نشبت بين هؤلاء الاوربيين الغزاة و بين الهنود الحمر معارك كثيرة و طويلة اقترف فيها الغزاة من التقتيل و الابادة ما تقرأ عنها صفحات مروعة في كتاب (فتح المكسيك) والذي وضعه مؤرخ اسباني قديم إسمه كورتيز و صار من اشهر كتب التاريخ.

[6] الولايات المتحدة طليعة الانحطاط ص 41.

[7] جرائم الحروب الكيميائية ص 21 و 26.

[8] الولايات المتحدة طليعة الانحطاط ص 41.

[9] ماذا يريد العم سام ص 93 و 94.

كان النمط المتكرر في تطور علاقة المستوطنين بالهنود الحمر كالتالي:

1- إبداء حسن النية للعيش بسلام و حفظ حقوق الهنود، و لا مانع ألبتة من إجراء بعض المعاهدات و الاتفاقيات.

2- بعد استقرار المستوطنين و استتباب أحوالهم، يتم إقناع الهنود- بالترغيب والترهيب- بأن الأفضل لهم أن يتجهوا غرباً، فالأراضي واسعة هناك، بينما ضاقت هنا.

3- يتحرك الهنود للغرب بعد قليل من الهدايا والمكافآت و كثير من التهديدات. فإذا لم يرضخوا لذلك. فلا مفر من افتعال المشكلات والمعارك، حتي يتحركوا أو يبادوا.

4- تكررت الدورة حتي وصل المستوطنون للساحل الغربي.

اقرأ في مختارات في الفكر الأمريكي- دارالفارس صفحة 225، 228 التماس «واكر»: إننا الملونين الفئة الأكثر انحطاطا بين من عاش من الناس منذ بدء الخليفة، والأشد تعاسة و مذلة. إن وعاظ أمريكا يغضون النظر عنا و يرسلون البعثات التبشيرية! إن هلاككم آت لا محالة ما لم تتوبوا و ترجعوا عن غيكم. كان هذا الالتماس عام 1829.

هكذا كانت السياسة الامريكية الثابتة، منذ ذاك الحين، انطلاقاً من «الخطيئة الأولي» بحق الهنود.